بحس وطني عادت لميس إلى الكتابة تزامنا والثورة البرتقالية، سعت إلى النشر بإرادة قوية فحب الكويت كان أكبر دافعا لها بأن تشارك في هذا الحدث الوطني بطريقة أو بأخرى خاصة وأن الكعب العالي هذه المرة اعتلى درجات السلم البرلماني، وفردت الليلة الحاسمة جناحيها على الكويت، وحل الصباح ضيفا ساخنا بروحه على لميس وكل الكويتيين، فالنوم غلبها ولم يسعها أن تتابع نتائج التصويت كلها بالتلفاز، أخذت تتصفح الجريدة مع احتساء القهوة الصباحية بنهم شديد، اتسعت حدقتا لميس وتدلّى فاهها دهشة فعادت أدراجها للصفحة الأولى، ضحكت لميس فها هي صورة عبيد متربعة، عبيد أصبح نائبا لمجلس الأمة، لميس لم تكن تتوغل بدهاليز السياسة وأسرارها، إذاً هي لا تعرف تفاصيل تربعه على الكرسي الأخضر، المراسل أصبح نائبا.. يحليله صار كشخة.. تضحك لميس ثانية، وتمر الأيام بلياليها
في صبيحة يوم دافئ جدا ويسوده الغبار قليلا، كانت لميس تحتسي قهوتها في المكتب، لا زال النعاس يلملم أذياله عنها، وخيوط الشمس ما انفكت تغازل مزاجها، رن هاتفها النقال، التفتت صوبه.. مكالمة دولية، لا أحد تعرفه في الخارج فهو ليس موسم الطيور المهاجرة، ردت على المكالمة وتناهي صوته من بعيد.. لم يكن هناك داع لأن يعرّف بنفسه، لميس ميّزت صوته الهاديء الرزين، فهي منذ أن تركت وظيفتها في مكتب المحاماة وهاتفها يغمره الهدوء من أصوات الرجال، لميس ليست من النوع الذي يفضل مخالطتهم.. هي لم تنسى يوما بأنها تعيش في مجتمعا شرقيا وبين عقليات معقدة يلبسها التناقض، هي هاتفته منذ فترة لتبارك له الكرسي الأخضر بمكالمة قصيرة ولكنها لم تتوقع أن يتصل بها، سأل عن حالها وتجاذب معها أطراف الحديث، أخبرها أنه الآن في الشرق الأقصى للاستجمام، كان يتغنى بالمطر وجمال الطبيعة... ابتسمت لميس ابتسامة عابثة، ما انفك يدير دفة الحديث معاتبا لنقدها الصحفي الذي انقض على أحد مواقفه السياسية كطير كاسر بلا هوادة، كانت لميس دبلوماسية جدا في ردها وأوضحت له بأنها لا تقصده شخصيا وأن من يفتح باب السياسة عليه أن يواجه الريح العاتية، كانت لميس لطيفة جدا في أسلوبها وكان هو متفهما جدا لموقفها، أعجبت لميس بعقليته الواعية وطالت المكالمة كما كانت تطول في أيام تحويها سنين مضت، كان عبيد يتغنى بشبابه طوال المكالمة واعتبرت لميس ذلك ممازحة منه وتخفيفا من حدة المواضيع المثارة، طلب عبيد من لميس مقابلتها لمناقشة أمور تطرقت إليها، لميس كانت عفوية جدا وبحماس شديد ذكرت له أنها هي أيضا تريد أن تطرح عليه بعض القضايا الاجتماعية كونه الآن صوت من أصوات الأمة، ضحك عبيد وأردف قائلا:"يحليلك يا لميس.. لا زلت أصولية كما عهدتك.. تبدين لي شخصية متحررة لا أعلم ما سر عقليتك المتشددة"... أوضحت لميس موقفها الاجتماعي والتربوي فهي لا تتكلم من منطلق ديني بحت، بالرغم من أنه من المفترض أن يكون موقف عبيد السياسي متوافقا وموقفها ولكنه لم يقتنع، وعاد عبيد من رحلته القصيرة جدا والفاخرة جدا، وتم الاتفاق على الالتقاء في أحد مقاهي فنادق العاصمة، عبيد لم يكن يرغب بمقابلتها في مكتبه كما طلبت هي تعذرا بازدحام الصباح النيابي، وهي لم تستوعب ما تخفيه أكمة عبيد من ورائها!.. لميس كانت عفوية وهو نائبا فماذا يضيرها إن التقت به في احد الفنادق وأمام الملأ.. لا شيء، وفي حينه ارتدت لميس بدلة من الشيفون الملون كانت قد ابتاعتها من أحد المحلات الراقية، أسدلت شعرها الناعم على كتفيها ووضعت مكياجا خفيفا كالعادة فهي تثق بجمالها الطبيعي وتؤمن بأن الرقيّ يكمن في البساطة، هي ذاهبة إلى فندق لتلتقي نائبا يجب أن تتخلى عن الجينز قليلا
عندما وصلت الفندق.. اعتلت بخفة وعجلة السلم المؤدي للمقهى ودخلت بعينين باحثتين عن عبيد، ها هو هناك يجلس على أحد الأرائك وبجانبه رجل بدوي يبدو لها أكبر سنا منه، مغتـّراً بنظارة وقفل على وجهه.. هو سكرتيره، "عشتو.. يالله من فضلك صار عنده سكرتير" تضحك لميس في نفسها وتبتسم لعبيد وتلقي السلام، يقف عبيد تحية لها ويدعوها للجلوس، دقائق قليلة وانصرف السكرتير، يلتفت عبيد يمنة ويسرة مرتبكا، تتساءل لميس مستغربة، ليجيبها عبيد بارتباك شديد بأنه أصبح رجلا سياسيا معروفا وجلوسه معها يسبب حرجا شديدا له، استغربت لميس أكثر فهو من طلب مقابلتها ورفض بأن يكون مكتبه مكانا للمقابلة وهو يجالس محامية وصحفية فما الإحراج في ذلك!.. يعدل عبيد نظارته بإصبعه من منتصفها ويحدق بالأرض مرتبكاً ويردف قائلا:"مو محامية وصحفية حلوة مثلج"... تصعق من ردّه لميس ويلتصق ظهرها بظهر الأريكة أكثر