أجمل ما في الرجال مؤنث رجولتهم، وهي ككل مؤنث في الشرق مغيّبة حتى إشعار آخر - ماري القصيفي

الاثنين، 12 نوفمبر 2007

مساحة للبوح

حزن عتيق يقبع في خزانة القلب هنا... أكثر من عقد من الزمان مر على عجل.. وصورتك لاتزال معلقة على ذاك الجدار في بيتكم.. مكان صورة والدك.. فللرحيل على هذا البيت كرم كثير.. كل ركن يذكرني بك.. وعيناك التي تطالعني من على ذاك الجدار في كل زيارة تزوبع لها غصة عتيقة.. وميشـــو الصغير.. يشبه خاله في اسمه.. في شقاوته.. مرحه وصخبه.. وحبه للسيارات والبحر.. لو كنت هنا لأحببته كثيرا.. كل شيء يقبع في الذاكرة هنا.. بهجتك رغم تعاستك.. مرحك رغم حزنك.. طيبتك وشقائك.. صخبك وعنفوانك.. رعونتك وجنونك.. قرى النمل والحمام.. تماسيحك الذين نسيتهم فماتوا غلياً.. ببغاؤك المزعج الذي نسيت اطعامه بعد عمر فمات.. وسنوبي الصغير الذي سرقوه.. أيام دراستك في مونترو.. ومقعدك الأحمر في شقتك الصغيرة... على التلة هناك.. لا زلت أذكر كم كنت أحب الجلوس عليه.. لا زالت سويســرا ترن لها أجراس الحزن على الدوام .. فذكراك عالقة هناك.. في مونترو.. جنيف.. لوزان.. كل شارع وحي ومدينة.... وطنيـــتك وبسالتك في الغزو.. حوادثك وإصاباتك الكثيرة.. روتينا كريها كان علينا اعتياده... دراجاتك النارية.. وسياراتك الرياضية.. وزورقك السريع و... حياتك التي انتهت سريعا به... كل شيئ فيك كان سريعا... كنت بطل الكويت الأول ذات يوم... غلبت البحر فغلبك وغدر بك.. لا زلت.. حتى الليلة.. عندما أقلب قنوات التلفاز... ألمح سباقات الزوارق السريعة فيحل الحزن ضيفا كريها.. فاتحا صناديقه وكنوزه الوفيرة... رأيتها منذ فترة قصيرة.. رشيقة وأنيقة كما اعتدتها.. ترددت في إلقاء التحية.. فلم أكن أريد أن أجدد حزنا قديما لي.. ولها.. رغم أنها أصبحت أما لأطفال غيرك وتركته سريعا.. كلنا نعلم... من اللهفة فيها.. من دموعها.. من عينيها وكل ما فيها.. أن لا حب لها حتى هذه اللحظة...ســــواك..... ومحمـد.. زرع في عيني أمك دمعا جديدا... وزوبع في قلبها لوعة قديمة.. وفتح أكثر.. جرحا لا يبرأ.. بيتكم رغم كل هذه السنين.. رغم حيويته ونبضه.. رغم ميشو الصغير وأخته .. والذي يشاغبني دوما على سيارتي.. ورغم سنوبي الجديد.. لا زلت أحسه خاويا من دونك... كنت أول كأسا من حزن استقبلته ضيفا قاتلا... بعد نهار يوم مشمس على شاطئ البحر... في جليفــاذا... في اليونــــان... ذات يوم... ذات صيف... منذ زمن بعيــــــــــد ...................... كنت أول كأسا من حزن... كأسك كان أشدهم مرارة
.
.
.
محمد... عمك الراحل سلمك الفرشاة ورحل.. فمن منا سينادم الفرشاة ويشاغبها بألوانه من بعدك؟.. وطفلك الوحيد.. ما انتظرت قدومه وعلى عجل رحلت.. إن رأى الدنيا سيسمع عنك كثيرا.. سيرى ملامحك في لوحاتك... سيعرف طباعك من ألوانك.. كنت مختلفا.. بهدوئك ورزانتك.. بأحاسيسك وأفكارك.. رومانسيتك.. وعزفك وألوانك.. ما عرفناك طفلا.. ولم نراك سنين طوال.. دراستنا للهندسة.. تعثرنا فيها.. تخرجت... وتخرجت انا من بعدك.. حبي للأدب.. وحبك للفن.. تعاستك المدفونة في لوحاتك.. دمعك المسكوب في ألوانك.. ابداعك.. جوائزك.. حلمك بمعرضك الشخصي.. انسل من ثوب حياتك القصير.. كل شيء... كل شيء هنا لملم أطرافه ورحل.. لم تزرنا منذ زمن.. نعلم.. أن للهموم فسحة.. وكأنك تؤهبنا للرحيل.. طيبتك حتى في رحيلك.. نهشك الأسفلت وحيدا.. رحلت وما آذيت أحد.. كنت كأسا ثالثا مذاقه طازج جدا وحزين جدا.. ارتحلت بك الأقدار قافلة لا تعود..... على جيدنا سنعلق قلائد محبتك وحزنك وفراقك.. وعلى حائط قلوبنا.. سنعلق ذكراك لوحة لا تبرح القلب أبدا ..