أجمل ما في الرجال مؤنث رجولتهم، وهي ككل مؤنث في الشرق مغيّبة حتى إشعار آخر - ماري القصيفي

الأحد، 23 نوفمبر 2008

من ذاكرة الحياة

. .
يتسلل إلينا الشتاء على أطراف أصابعه.. فـ يطوف في ذاكرتي يوما.. كنت فيه طفلة صغيرة.. اشترت لي أمي معطفا من فراء الثعالب.. حزنت للونه الداكن وفرائه النافر.. سرعان ما عادت أدراجها لـ غاليري لافييت لتبدله بآخر ناعما.. ناصع البياض كـ أرنب.. كان أرخص ثمنا.. ولكني سعدت به.. وشكرتها.
..
وعندما كبرت وفهمت.. ما عاد يروق لي فراء الأرانب.. ولا للحياة.. ولا للناس أيضا.. لذا.. بت أفضل ارتداء المعاطف الفاخرة.. فـ فراء الثعالب دافئا أكثر.. ملونا أكثر.. ويعلن بأنه الأغلى.. يتحمل مطر الغابات فلا تضيره رطوبة البرك الراكدة.
.
.
.
ولا زلت أذكر توتة الصغيرة.. تلهو مع الأسماك الملونة في حوض جورج سانك هوتيل الكبير.. أتأملهم أنا ودهشتي وابتهاجي سوية.. ألقي عليهم ابتسامة الصباح و تثاؤب المساء.. لأقف أنا والسعادة نحكي لأبي وأمي حكايات توتة وأصدقائها الصغار.
..
وإن دار دولاب الزمن.. وسابقتني ريح الأيام.. أظل أنا والأسماك على مائدة الطعام في خصام مستمر.. ولكن كلما أتذكر توتة الصغيرة وأصدقائها الملونين .. أعي بأن السعادة قد لا تكمن في الأشياء.. بقدر ما تكمن في اللحظات الجميلة التي تمر علينا.. كالقطارات الـمسافرة عبر المــــانش.
.
.
.
كما أذكر لحظات مضت.. كنت أضيق دوما فيها من الجلوس على كرسي خشبي متواضع لـ طاولة.. تلبس مفرشا ملونا بالأزرق والأبيض.. ويتوسطها صحن روب مغمس بالعسل.. وصخب نادل يوناني يضج في مطعم شعبي على الناصية.... لم يكن يعجبني ذلك أبدا.
..
وعندما كبرت قليلا .. أدركت أنه ببساطة شكله وتقديمه.. وصخب المكان.. وفوضوية النادل.. قد يكون أشهى وأكثر حلاوة.. من قطعة مارون جلاسيه في مطعم باريسي يتوسط الشانز.. ويغازل الإتوال من بعيد.. بـ نكهة عشاق باريس.
.
.
.
ولا زلت أذكر.. إصراري ورغبتي.. في اعتلاء ثلاثمئة درجة حجرية.. فقط.. لأرى الأكروبوليس عن قرب.. يبدو لأول وهلة.. كـ أسمال محارب قديم .. ولكن سرعان ما يباغت بالحديث بـ أنفة.. عن أفروديت وهيراكلس.. وحضارة تنفض التراب.. تشتعل بالنار.. وتثور في كبد السماء.
..
ودوما ما يشاكسني الضجر.. ويغويني الامتناع.. عن نزول سلالم قليلة والجلوس على مقعد لـ سيرك تشيكي.. سقفه باهت.. فقراته معادة.. وخيوله مجهدة.. وأسوده.. قد تأكل أصحابها.. ينتهي عرضه في ساعة محددة.. لا أشتهي الحضور.. بالرغم من أن نزول سلمه سهلا .. وتذكرته زهيـــدة!
.
.
.
وأيضا تطوف في ذاكرتي ليلة.. أغلقنا فيها أبواب السيارة بإحكام ومررنا في حي أثيني رث.. تصم فيه هلوسات المدمنين جدران الأزقة.. كانت عيونهم غائرة.. والبقع على أجسادهم واضحة.. حينها.. صببت عليهم ألف لعنة.. ورجمتهم بألف تهمة.. وزرعت في ذهني آلاف الانطباعات البائسة.
..
وبعد أن كبرت ونضجت.. أدركت أن بعض الذنوب بريئة.. وبعض الخطايا أطفال سفاح وُلدوا قسرا على رصيف حزين.. أو في حفل زار يُلتمس فيه الشفاء.. وأدركت أيضا أن جراب الخطايا قد لا يكون نتنا.. فقط.. يعلوه غبار التجارب وأتربة الظروف.
.
.
.
وفي عيد النبيذ السنوي.. فوق البلاط الحجري وتحت الأشجار الوارفة.. تتفرج عليه كعرض مسرحي كبير.. يترنح السكارى كالقناني الفارغة.. ويزاحم راقصين في حلبة الرقص فرقة فلكلورية.. يدندون وموسيقى الزوربا.. ويتأرجحون كالنجوم الساقطة بين أيدي رجال الأمن.. يلقوا بهم خارجا.. فلا مكان في العيد لسقط النجوم.. وتبقى العيون ساهرة على حراسة الناس والمكان.
..
وأما الآن.. فقد أدركت بأن الحياة هي عيد النبيذ الأكبر.. وأن الدنيا ملئي بالفلكلوريين والراقصين والسكارى.. وأن الحياة كل مرتادوها.. كلهم.. يرتشفون النبيذ وأكثرهم سكارى.. وما من رجال أمن فيها.. فيتمادى الساقطين في إيذاء الآخرين.. وتيقنت بأن عيد النبيذ اليوناني في ذَفني.. كان أكثر أمنا واطمئنانا من هذه الحياة..!!
.
.
.
أشتاق.. وأشتاق لرؤية نوارسا صادحة.. تناجي بتوق ضفاف السين .. بينما يتناثر في حضنه قبلات المحبين .. وأتمتع كثيرا بـ حضور حفل راقص للبولشوي.. ولا أمل قط من زيارة اللوفر والجلوس على
السلالم في كل مرة لتغوص عيناي في أسقفه المزركشة.. وأما الليــــدو.... فـ يستهويني كثيرا. .
..
أعلم جيدا... بأن ليست كل الطيور نوارسا صادحة..
. وعازف الأوكورديون في أحد شوارع باريس.. حتما يستجدي النقود..
. كما أعلم بأن ليس كل رسامو المونمارت... ببراعة رينوار..
وأن بعض نوادي باريس.. رخيصة جدا...!!
.......
....
.

هناك 14 تعليقًا:

Manal يقول...

جميلة هيالذكريات

وخاصة اذا انمزجت مع عبق الطفولة البريئة

والفرحة

والاهل

:)

Barlamany يقول...

بالفعل ...


و ليتك تزورينها الآن في مثل هذه الاجواء .. فاحتفالية راس السنة و عيد الميلاد و الحرارة عندما تبلغ -4 بباريس و بالأخص بال
Champs Elysees ..

"خيـــــــــــــــال"..


تمنيت البارحة أمنية و انا اشرع في التهام الجمال بمخيلتي عله يحفزني على ارتكاب فعل ما ... للكتابة ، أو ربما .....
و كلي رجاء بان تدعي معي بان تتحقق امنيتي ..
" قولي آميـــــــــــن"

فمدينة كباريس لا تقبل بالحل الوسط و لا باستسلام العواطف و ولا تلبس الرمادي في هدنة شعور .. كم احبها لانها تشبهني !


هذيت كثيرا ولكن استفزني النص خصوصا عندما قلتي

"أعي بأن السعادة لا تكمن في الأشياء.. بقدر ما تكمن في اللحظات الجميلة التي تمر علينا "

و هذه هي المصيبة !!!

فهل تتحقق امنيتي و تغدوا باريس جنة الله على الارض ؟؟ أم سأصبح وأغفو .. فتتخافت الانوار شيئا فشيئا معلنة عن رحيل جمــــــــال
( الحلم، السعادة ، الأمل)

Bloggerista يقول...

i'm in paris now ;P

تبين شي من هني؟

nikon 8 يقول...

رحلة ذكريات سياحية جميلة .... ليتها تعود من أيام

charisma يقول...

مسائج ورد اسيل

استمتعتوانا اقرى ذكرياتج
:)

..
وأما الآن.. فقد أدركت بأن الحياة هي عيد النبيذ الأكبر.. وأن الدنيا ملئي بالفلكلوريين والراقصين والسكارى.. وأن الحياة كل مرتادوها.. كلهم.. يرتشفون النبيذ.. وأكثرهم سكارى.. ولكن.. ما من رجال أمن فيها.. فيتمادى الساقطون في إيذاء الآخرين.. وتيقنت بأن عيد النبيذ اليوناني في ذفني.. كان أكثر أمنا واطمئنانا وراحة.. من هذه الحياة

عجيب التعبير

تسلم ايدج
:*

اجار الدين كشمش يقول...

اسسسسسسسسسسسسسسسول

لو انا اكتب ذكرياتي

ما اعرف اوصف هالوصف مع العلم اني درت العالم كله كله

لكني ميت من القهر ان غالبية الصور لما نقلنا من البيت القديم ضاااعوا من النقل

كل ذكرياتي السفراااتيه
كل شئ مشهور في اي دوله انا عندي صوره يمه

اه يالقهر

ماااااااترجع الدنيا ورى

فمالله

AseeL يقول...

Manal:

كل شيئ جميل يسطع بجماله ولا يخبو مع مرور الزمن

:)

AseeL يقول...

Barlamany:

باريس امرأة
واليونان رجل

تفتنني الأولى
وتغريني الثانية

عسى أن تغمرك مدينة الأنوار بكرمها وتهديك من نورها لتضيء ذاتك


آمييييييين

AseeL يقول...

Fashionista:

نبي وناستك


Have fun :)

AseeL يقول...

nikon8:

الماضي ذكرى
والحاضر واقع
والمستقبل جميل

حضورك منور

:)

AseeL يقول...

charisma:

مساؤج فل

شرايج مو صج كلامي؟ :)

أؤمن إيمان تام فيه

AseeL يقول...

أجار الدين كشمش:

...أسووول
حسيت اني بشرايط وعناقيص
وباربيتي بإيدي !!

كان اسقاط لبعض المفاهيم في الحياة على الذكريات ليس الا

الماضي اللي يروح ما يرجع
والصور اللي تروح ما ترجع

الحين اكو فلاش مموري
يعني مالك عذر

NewMe يقول...

عانقت السحاب
فكل تفاصيل ذكرياتك الجميلة
مليئة بالعشق للحياة
أما أنا
فصرت أمسح كل شيء
من ذاكرتي
قبل أن ينتابني المطر
دمت بحب
تحياتي

غير معرف يقول...

على فكرة يبدو ان هناك بطئاً في اظهار تعليقاتنا و ردودك في المدونة لان التعليق الذي كتبته اعلاه و الآخر يوم امس لم اشاهدهما ليلة البارحة. على كل حال.. لا أجد اختلافاً بين وجهات نظرنا، و لكن للتوضيح فقط أقول ان خريجة الثانوية حتى و إن كانت صالحة و ذات مبادئ فهي لا تزال في سن المراهقة. أي أن هناك احتمالا كبيراً بأن تتأثر أو تضعف أمام الكثير من المغريات هناك. لذا فإن لأهلها عليها حق في الرعاية و هذا ما قصدته من الاستشهاد بحديث: ” كلكم راع …الخ” و مرافقة المحرم -أخي- لا تعني ملازمته لها أينما ذهبت كالحارس الشخصي، و لكن بتواجده معها في ذات المكان نكون قد بذلنا الأسباب لتأمين رقابة واعية عليها فرضها الله علينا.. ودائماً تبقى الرقابة( بمعناها الايجابي)- على الأقل من وجهة نظري- على الفتيات و الشباب أمراً مهماً ، و يقولون “من أمن العقوبة أساء الأدب”، و هذا هو الواقع مع الغالبية. و نحن بالنهاية بشر بحاجة إلى من يوجهنا و يسددنا إذا ما اخطأنا في حق أنفسنا يوماً ما شكراً و تحياتي